(منو اليقدر يقول البغلة في الإبريق)
من الواضح أن هذا المثل سوداني خالص وقصته أنه كان في قرية صغيرة رجل شيخ عرف بتقوى الله والمداومة الشديدة على أداء الصلاة بالمسجد وكان لهذا الشيخ ولد واحد اهتم جدا بتنشئته نشأة دينية فأدخله الخلوة بالقرية وهو طفل يافع فحفظ القرآن والتفسير والأحاديث وطبعا هذا الأمر أغاظ الملعون إبليس غيظا شديدا وآلى على نفسه ألا يغمض له جفن حتى يفسد أمر هذا الولد....وكان للشيخ والد الفتى بغلة يربطها بمراح قريب من المنزل يستعملها في تنقلاته ورحلاته والمجاملات الكثيرة بينه وبين شتى أهل القرية والقرى المجاورة على عادة القرويين...وفي ليلة من الليالي بينما كان الفتى يقوم الليل وحيدا في غرفته فوجيء بمنظر عجيب : رأى بغلة والده واقفة أمامه في منتصف الغرفة ولم يدري كيف دخلت...ثم بعد هنيهة بدأت البغلة تصغر وتصغر حتى صارت قدر الغنماية ثم استمرت تصغر وتصغر حتى صارت قدر الدجاجة....ثم دخلت في الإبريق الذي توضأ منه قبل لحظات والذي لا يفارق تبروقته أو غرفته.... وطبعا كلكم تتخيلوا كيف انخلع قلب الفتى المسكين وانطلق خارج الغرفة وهو يصيح (البغلة في الإبريق....البغلة في الإبريق...) وتعلمون يا سادتي أن هذه البغلة لم تكن سوى إبليس اللعين...وطبعا خرج والد الفتى ووالدته من غرفتهما مذعورين وضما وحيدهما والوالد يقرأعليه سورة الكرسي وكل ما يتذكره من أدعية بدون جدوى فالولد لايزال يهذي ويصرخ بهستيريا (البغلة يا بوي...البغلة في الإبريق...البغلة في الإبريق..)...وفي الصباح انتشر الخبر في القرية كلها أن ولد الشيخ فلان قد إنجن..وأنه يقول البغلة في الإبريق...بينما في الحقيقة أن الولد لم يكن قد انجن فعلا وإنما فقط يقول الحقيقة التي شاهدها بأم عينيه ولكن لأنه كان لايزال صغيرا على مثل هذه التجربة فلم تحتملها أعصابه ولذا كان يقولها بشيء من الخوف والعصبية التي نسميها هستيريا...وقرر الوالد أن يأخذ وحيده إلى (فكي)في الحلة المجاورة لقريتهم وهو فكي مشهور وإيده لااااحقة...وطبعا ظل الفتى المسكين يومين كاملين تحت رحمة سياط هذا الفكي بالليل والنهار لكي يخرج منه الشيطان الذي تلبسه حسب زعمه...وكان الفكي كلما ينتهي من جلسة ضرب يسأل الفتى..(أها..... البغلة وين؟) فيرد الفتي وقد ازدادت عصبيته وهستيريته...ولكنه لايريد أن يكذب(البغلة في الإبريق...)فيستمر الفكي في ضربه بلا هواده ..ولما تعب الفتى من الضرب المبرح قرر أخيرا أن يكذب كذبة يخرج بها من هذه المحنة..فقال للشيخ (البغلة ما في الإبريق....البغلة في المراح...) وهنا تهللت أسارير الشيخ الفكي وأرسل لوالد الفتى أن تعال واستلم إبنك فقد شفي...وأقام والد الفتى كرامة كبيرة بالقرية ذبح فيها الذبائح وعزم جميع الناس رجالا ونساءا وأطفالا لهذه المناسبة العظيمة المتمثلة في شفاء إبنه...وفي أثناء ما كان المعازيم جالسين في حوش المنزل ينتظرون الطعام والولد جالس بجانب والده حزينا كاسف البال ظهرت له البغلة مرة ثانيةبحيث لا يراها أحد غيره فشخص بصره نحوها بفزع شديد وتابعها وهي تصغر وتصغر وتصغر حتى دخلت في الإبريق...ولاحظ الوالد وبعض الحضور فزع الولد وشخوص بصره فهرولوا نحوه وهم فزعين وينادونه(مالك يا ودالشيخ.؟..نعلك عافية...مالك مبحلق عينيك ؟ شايف ليك شيء؟) فرد عليهم بحزن (لا لا ...ما شايف حاجة..منو البقدر يقول البغلة في الإبريق؟)..